* الكَعْرُوب: هو كسر القصب وهوغنيمة الفقراء بعد الحصاد، كان حدثا إجتماعيا مهما في حياة أهل الصعيد ولايزال، وإن إختلفت الأمور نسبيا الآن عن السابق، وهو يعني بداية حصد محصول القصب، وليس كسر الأعواد فقط!.
ـ وأعواد القصب هذه التى يُستخرج منها السكر في المصانع، ويراها الناس في مختلف مدن مصر ويستمتعون بعصيرها، تخفي خلفها كثيرمن الكدِّ والشقاء، وبلا مبالغة كثيرا من المرارة.
ـ وبالرغم من هذا يعتبرها أهل الصعيد ثماراً، كحبَّات الفاكهة، لأنها نهاية شهور من التعب في زراعة القصب، تنتهى عادة ببيع المحصول لشركة السكر بمقابل لا يكفي الحد الأدني من ضرورات الحياة.
ـ وتزرع محافظات صعيد مصر 300 ألف فدان قصب منها 105 آلاف لمحافظة قنا وحدها، و80 ألفا للأقصر، و65 ألفا في أسوان، و70 ألف فدان بين سوهاج والمنيا.
ـ وكسر القصب يبدأ دائما في شهر يناير بإعلان شركة السكر إفتتاح الموسم والسماح للمزارعين ببدء الكسر، وهو يشبه العمليات العسكرية في التخطيط والدقة، حيث يتم بالتوالي حسب الموقع الجغرافي لتفادي المشاكل والخلافات، ولتتمكن الشركة من إستيعاب المحصول تدريجيا، وكان منطلقا لفرح عام في القري، لأنه يتيح فرص عمل للجميع، وينتظره كثيرون من الموسم إلي الموسم، وفرصة إجتماعية لعودة أبناء القري المرتحلون خلف الرزق إلي ذويهم وإستقرارهم بينهم لأكثر من ثلاثة أشهر، حتي لو قضوها كلها في العمل الجاد.
ـ ويبدأ الموسم بتشكيل فرق الرَغَابَة الذين يتولون العمل في الحقول، ويبدأون تحركهم مع أذان الفجر، حيث ينتظرهم صاحب القصب ليتولي قيادتهم، ويحدد لهم الكمية المطلوب كسرها، والموقع، ومراحل العمل، وحين يعلن لحظة البدء ينهمكون في قطع القصب بــ القَدُوم الذي يشبه الفأس الصغيرة، وبعد إنجازهم القطع يفصلون أوراق القصب عن الأعواد وتسمي القلاويح، وينظفونها من الورق الجاف -العفش- ويرصونها في أكوام منتظمة.
ـ ثم يتقدم الجَمَّالة ويُبركون جِمالهم بجانب أكوام القصب ويُحَمّلُون بِشَل القصب -جمع بِشْلَة وهي المجموعة في رباط واحد- علي جانبي ظهورها بالتساوي حتى لا يتأذى الجمل من ميل العَرْشْ المثبت علي ظهره، والذي يُربط إليه القصب، وتنقله الجِمال إلي عربات السكة الحديد الخاصة بشركة القصب والمتغلغلة في حقول القصب، ويتم تحطيط القصب بنظام بجوار العربات.
ـ ويرفع الشًحَّانَة بشل القصب على أكتافهم ويرصُّونها في العربات، لتحملها إلى مصنع السكر.
ـ وبعد خلو الحقل من قصبه، يختار صاحبه يوما خاليا من الرياح ليبدأ مرحلة القطيعة أي تطهير حقله من العفش وحرقه في مربع بمنتصف الغيط ويتوزع علي جوانبه بعض الرجال قبل إشعال النيران ليمنعوا إنتقالها إلي الجوار.
ـ وبإنتهاء كسر القصب يذهب النساء والأطفال بأعداد كبيرة إلي الحقول لجمع غنائم الكَعْرُوب، أي جذور أعواد القصب لاستخدامها فى التدفئة أو وقودا للـ كوانين.
وكانت للكعروب في أيام الأجداد أهمية إقتصادية، كوقود لطهي الطعام، والخبيز، والتدفئة في شهور البرد، حيث يجتمع حول ناره أفراد العائلات وتحلو الحكايات والذكريات، لكن أهميته تراجعت مع إنتشار البوتاجاز والدفايات، وإنعدمت مع الأجيال الحالية، وإن كان البعض لايزالون يجمعونه في حنين يائس لأيام رحلت بلا عودة.
الكاتب: عمرو أبو العطا.
المصدر: موقع جريدة الأهرام اليومي.